بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتور/ محمد عبد العظيم Mohammed Abd-Elazeem
الدرس الثانى من سلسلة مع الحبيب عليه الصلاة و السلام، الدرس الأول مقدمه للسلسلة
------------------------------------------
مع الحبيب (2)
------------------------------------------
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، حياكم الله تعالى بكل خير فى اللقاء الثانى "مع الحبيب" و الذى أبدأ فيه بإذن الله تعالى أولا فى عرض سنن رسول – صلى الله عليه و سلم – اليومية من لحظة الاستيقاظ حتى الرجوع مرة أخرى إلى النوم ، و غرضى من ذلك ثلاثة أمور :
الأول : محاولة دفع نفسى و إياكم نحو الاقتداء به – صلى الله عليه و سلم – فى كل شئ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}الأحزاب /21
الثانى : طلب الأجر و المثوبة من الله تعالى بإيحاء سنته – صلى الله عليه و سلم – إذ أعرض عليكم سنن قل منا من يفعلها ، فضلا عن أن كثيراً منا لم يسمع بها أصلا .
الثالث : إظهار جوانب الإعجاز فى تلك السنن ، الإعجاز من كافة جوانبه : الطبى ، و النفسى ، و البلاغى ، و العلمى ... و ليكن راسخاً فى عقولنا أن كلامه صلى الله عليه و سلم هو الحجة القاطعة التى لا تحتاج إلى ما يدعم صدقها ، و إنما نتعرض لأوجه الإعجاز تلك بغرض تحقيق مزيد من الإيمان ثم مقارعة من يتطاول على كلامه و سننه من السفهاء أو الحاقدين ، فآفتنا نحن المسلمين – أننا لا نقرأ و غيرنا يقرأ الأباطيل ثم يعرضها علينا كحقائق و لفرط جهلنا بسنة نبينا قد نصمت و لا نرد جوابا ، و لهذا أردت ذاك الأمر .
و ليكن حاضرا فى أذهننا – جميعا- أنى لن أعرض إلا الثابت الصحيح من سننه عليه الصلاة و السلام ، و الله المستعان .
**********************************
(1) سنن الاستيقاظ من النوم
1- عدم القيام مرة واحدة مع مسح أثر النوم عن الوجه باليد ، ففى الحديث " فاستيقظ رسول الله –صلى الله عليع و سلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده " رواه مسلم
2- الدعاء ، و هو " الحمد لله الذى أحيانا بعدما أماتنا و إليه النشور " رواه البخارى
3- استخدام السواك ، و فى الحديث " كان –صلى الله عليه و سلم إذا استيقظ من الليل يشوص فاه بالسواك" متفق عليه
4- الاستنثار – و هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق - ففى الحديث " إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه" متفق عليه
5- غسل اليدين ثلاثا ، قال علية الصلاة و السلام "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا .... " متفق عليه
التعليق :
السنة الأولى : سنة فعلية ، هى عجيبة غاية العجب إذ أن فيها إعجاز طبى ، ثم دلالة نفسية بالغة الدقة
أما الإعجاز الطبى ، فيتمثل فيما أثبته الطب حديثا فى خطورة القيام من النوم واقفا مباشرة او القفز بكل قوة من على السرير حيث يقول لنا الأطباء عندما تستيقظ قد تشعر في كثير من الأحيان بأنك مليء بالنشاط والحيوية فتقفز من السرير بقوة ونشاط …. ولكن اهدأ قليلا فتلك القفزة السريعة من السرير قد تسبب لك فيما بعد أزمة قلبية مفاجئه!!!! أن لحظة الاستيقاظ أو لحظة فتح الجفون هي لحظة مهمة جدا في حياة الإنسان فيما يتعلق بالقلب ودقاته فإذا هب المرء قافزا في تلك اللحظة تحمل القلب عبئا إضافيا مضاعفا لذا عليك أن تسترخي لدقيقه بعد الاستيقاظ ثم تعد جسمك للنهوض وتقوم بكل راحة بعد أن تأخذ الدورة الدموية نشاطها المعتاد... هل علمت أخى –الآن- لماذا كان عليه الصلاة و السلام يجلس قبل القيام من النوم!!؟
و أما الدلالة النفسية فتتجلى فى فرك الوجه براحة الكفين ، فمع النوم الطويل يُلاحظ تغير شكل الوجه عند النهوض منه و ذلك نتيجة إغلاق العيون لمدة طويلة ولأن الجسم يكون قد أخذ قسطآ من الراحة و هذا التغير دليل أخذ الجسم الراحة الكافية – و هو عند الإناث أوضح من الذكور – و من ثم فعندما نقوم و نشاهد أنفسنا فى المرآه قد يعترينا الضيق من هذا التغير ، هذا فضلا عن تأثير هذه الرؤية لدى الغير – الذين يوقظوننا – و لذلك نقوم بتجديد نشاط خلايا سطح الوجه من جنس مادتها لا بشئ غريب- فهل جربت الاحساس الذى يعترى الفرد حينما يقوم أحدهم بسكب الماء على وجهه ليوقظه فيقوم مغضبا او يعند فلا يقوم – إذن أنت بفرك الوجه براحة اليدين تنعش الخلايا و تنشطها فيعود الوجه مشرقا وضاحا يبعث على الأمل فى اليوم الجديد ، هذا فضلا عما يعترى البعض من ضيق أو تشاؤم إذا استيقظ و رأى وجهه أو وجه غيره مكفهرا أو عابثا فكأنه – صلى الله عليه و سلم – يوجهنا بهذا الفعل نحو غلق ذلك باب من أبواب التشاؤم و الضيق ......... أشهد يا رسول الله أنك الخبير الملهم العالم بالنفس البشرية و تقلباتها و نزعاتها .
السنة الثانية : سنة قولية ، تلهج فيها بالحمد .. تبدء يومك بالحمد على النعمة التى منحها الله إياك بالعيش ليوم جديد ، هذا الحمد يقع فى النفس موقعا كبيراً ، أليس الحمد يجعلنا موصولين بالله؟ فمعنى انه يمثل نوعا من انواع الوقاية لنا من الوقوع فى الآثام إذ نحن الان فى نعمه فكيف اعصى المنعم .... ثم فكر – أخى معى – فيما توصل إليه باحث هولندي في جامعة امستردام إلى ان تكرار لفظ الجلالة- خاصة عند الاستيقاظ من النوم - يخفف من التوتر فحرف الالف يصدر من المنطقة التي تعلو منطقة الصدر اي بدايات التنفس ويؤدي تكراره الى الارتياح وسهولة التنفس وحرف اللام يأتي نتيجة لوضع اللسان على الجزء الاعلى من الفك وملامسته وهذه الحركة تؤدي للصمت والسكون لثواني وهذا الصمت ايضا يعطي راحة في التنفس وبالنسبة لحرف الهاء يؤدي نطقه لحدوث ربط بين الرئتين عصب ومركز الجهاز التنفسي وبين القلب فيؤدي الى انتظام ضربات القلب بصورة طبيعية .... الحمد لله.
السنة الثالثة : فعلية ، تتمثل فى استخدام السواك ، و انظر معى إلى الإعجاز اللغوى فى لفظة "يشوص" أى أن صلى الله عليه و سلم علمنا أن يستاك الإنسان عرضاً ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه فإن خالف واستاك طولاً حصل السواك مع الكراهة ويستحب أن يمر السواك أيضاً على طرف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً لطيفاً ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن من فمه ... إنها بركة اليمين (لنا معها وقفات) أرأيت دقة اللفظ و دلالته ثم تعالى مع الأداه "السواك" لماذا يا رسول الله السواك دون غيره ؟ يجيب الدكتور أحمد عثمان - استشاري طب الفم والأسنان - إن السواك أفضل علاج وقائي لتسوس الأسنان عند الأطفال والكبار معًا؛ لاحتوائه على مادة (الفلورايد)، كما أنه يزيل الصّبغ والبقع لأنه يحتوي على مادة (الكلور)، كذلك يعمل على تبييض الأسنان لما به من مادة (السليكاز) التي تحمي الأسنان من البكتيريا لاحتوائه على مادة (الكبريت)، كما أنه يفيد في التئام الجروح، وشقوق اللثة، ويساعد على نموها نموًّا سليمًا؛ لأنه يحتوي على مادة (تراي مثيل أمين) وفيتامين (ج) ويمنع تكوّن الرواسب الجيرية. ويؤكد الدكتور باسم المنشاوي -أستاذ ورئيس قسم العقاقير والنباتات الطبية بالمركز القومي للبحوث- أن البحوث والدراسات الحديثة أثبتت أن السواك يقضي على ميكروبات الفم والأسنان المسببة لالتهاب اللثة وتسوس الأسنان.
وقد أوضحت نتائج هذه البحوث أن فاعلية السواك تستمر لمدة من (6- 8 ساعات) من استعماله عكس المعجون العادي الذي لا تستمر فاعليته سوى ساعتين فقط، ثم يبدأ ظهور البكتيريا مرة أخرى بالفم.
وهنا نوع خاص من البكتيريا هي المسؤولة عن تسوس ونخر الأسنان، والسواك هو الذي يقضي عليها تمامًا، ولا تظهر هذه البكتيريا إلا بعد عشر ساعاتٍ من استعماله.. كما أثبتت النتائج أيضًا أن استعمال السواك يمنع نمو عدد من الميكروبات التي تسبب الإصابة بأمراض اللثة والأسنان.. ويستمر هذا المنع لمدة (
ساعات، وهو ما لا يتوافر في معاجين الأسنان العادية.
ثم هناك لطيفة نفسية فى الأمر ، أليس مع طول النوم تتغير رائحة الفم فإذا ما تكلمنا بدت تلك الرائحة الكريهة فتزعجنا أو تسبب الامتعاض عند الواقف بالقرب منا ، فيجيئ السواك بمكوناته الزكية ليزيل تلك التغيرات فيخرج الهواء مع كلامنا محملا بريح طيب .. فتستمر موجة الشعور بجمال اليوم و التفاؤل فيه و به .... صحيح أليس كذلك؟
السنة الرابعة : سنة فعلية ، يكون فيها أول استخدام لنا مع الماء فى ذلك اليوم الجديد (لنا أيضا معه وقفات) ، وفى هذه السنة دلالة لغوية و نفسية أعتمد فى عرضها على ما ذكره ابن حجر فى كتابه فتح البارى : فالخيشوم ( بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو) هو الأنف , وقيل : المنخر , وقوله : " فليستنثر " أكثر فائدة من قوله : " فليستنشق " لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس , فقد يستنشق ولا يستنثر , والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق , لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه والاستنثار إخراج ذلك الماء , والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق , وقيل : إن الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف , وقيل : الأنف نفسه , فعلى هذا فمن استنشق , فقد استنثر لأنه يصدق أنه تناول الماء بأنفه أو بطرف أنفه , وفيه نظر .
ثم إن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر , لحديث أبي هريرة المذكور قبل حديث سعد فإن فيه " فكانت له حرزا من الشيطان " وكذلك آية الكرسي , وقد تقدم فيه " ولا يقربك شيطان " ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه وهو القلب فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ , فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة , فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ . ثم إن الاستنشاق من سنن الوضوء اتفاقا لكل من استيقظ أو كان مستيقظا , وقالت طائفة بوجوبه في الغسل وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضا , وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار أم لا خلاف ؟ وهو محل بحث وتأمل . والذي يظهر أنها لا تتم إلا به لما تقدم . والله أعلم ... إذن مع بداية اليوم نعلن الحرب على السيطان و نقاوم مكره و كيده و بما؟ بالماء ... قلت لنا إن شاء الله معه وقفات فى حينها.
السنة الخامسة : سنة فعلية تتمثل فى استمرارية استخدام الماء ، إذ بعد الاستنثار نغسل اليدين ثلاثا و السبب يبينه قوله صلى الله عليه وسلم : (وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) ... سبحان الله الذى أدبك فأحسن تأديبك يا رسول الله ... لو أن أحدنا أراد أن يعبر عن مكان مبيت اليد بغير تلك الألفاظ التى استخدمها المربى العظيم لعجز و استخدم كلمات ظاهرة لا كناية فيها ... لكنه الأدب النبوى !!!!! ثم أليست تلك الطاهرة الظاهرة تجلب على النفس طاهرة باطنة تحقق الارتياح و تجعل النفس مطمئنة و هى تستخدم اليدين فى مطعهما أو مشربها بعد ذلك .
إذن هى سنن خمس ، أربعة فعلية ، و واحدة قولية ، و كأنى عندما أقوم بها جميعا أقول لنفسى أنه يوم العمل ...... عجيبة !
انتهى تعليقى فما كان من صواب فمن توفيق الله تعالى ، و ما كان من خطأ فمن نفسى و الشيطان ... و الله أسأل أن يغفر لنا و يهدينا لاتباع سنن نبيه عليه الصلاة و السلام
الرئيسية 
